عندما أصيب المهاجم البرازيلي رونالدو في مباراة فريقه إيه سي ميلان أمام ليفورنو في الدوري الإيطالي في شباط / فبراير من العام الماضي، واضطر إلى أن ينهي عقده مع فريقه ويغادر إلى البرازيل ليخوض رحلة علاج طويلة، انطلقت التوقعات التي تشير إلى أن مسيرة النجم البرازيلي الكبير مع كرة القدم في طريقها إلى زوال، وأن المسيرة الحافلة بالإنجازات والأرقام القياسية، كتب عليها أن تُختتم قسراً.
فاللاعب الموهوب الحاصل ثلاث مرات على لقب أفضل لاعب في العالم، وأكثر لاعب سجل أهدافاً في تاريخ بطولات كأس العالم، برصيد خمسة عشر هدفاً، وهداف كأس العالم 2008 برصيد ثماني أهداف، بدا في نهاية مسيرته مع الميلان وقد أرهقته الإصابات، وأتعبه المرض، فأصبح غير قادر على التحمل. فمن ناحية أصيب في ركبته اليسرى بقطع كامل في الوتر، وهي الإصابة الثالثة له في ركبتيه حيث سبق أن أجرى جراحتين لعلاج قطع في الرباط الصليبي لركبته اليمنى عندما كان لاعباً في صفوف إنتر ميلان. ومن ناحية أخرى زاد وزنه بشكلٍ كبير بسبب إصابته باضطراب في وظائف الغدد. لذلك توقع الجميع، حتى المقربين منه، أنه على وشك الاعتزال، ولعل هذا كان السبب الرئيسي في عدم رغبة ميلان في تجديد تعاقده مع المهاجم الكبير، رغم النقص الواضح في صفوفه.
إذا فالنهاية الحتمية لمشوار رونالدو في الملاعب كانت أمراً متوقعاً من الجميع، إلا شخص واحد فقط هو رونالدو نفسه، الذي تقبل الإصابة والتوقف القسري بصدر رحب وقرر أن يبدأ رحلة العلاج الشاقة، وأن يخضع لعملية جديدة وصعبة في ركبته، أقبل عليها بإصرار وتحد، ولم لا وهو الذي واجه جميع المصاعب في حياته الكروية بنفس الإصرار والتحدي وبنفس الابتسامة الطفولية.
واستعاد رونالدو سريعاً ذكرياته السابقة مع هذا النوع من الإصابات، وطالب بأن يقوم الطبيب الفرنسي جيرار سيلان بإجراء العملية الجراحية له في ركبته، وهو نفس الطبيب الذي سبق له معالجة رونالدو من إصابتيه في ركبته اليمنى قبل تسعة أعوام.
ورغم حالة التفاؤل التي أحاطت برونالدو والمقربين منه قبل هذه العملية، إلا أن هذا التفاؤل انقلب إلى حزن ووجوم بعد العملية عندما اكتشف أن رونالدو بحاجة إلى عام على الأقل ليستعيد قدرته وحيويته ومهارته، أي أنه لن يعود إلى الملاعب قبل أن يتخطى الاثنين والثلاثين عاماً، والمشكلة ليست في ركبته فقط بل في وزنه الذي يقبل الزيادة بشكل كبير كلما قلت حركته.
وتوالت الأخبار والتعليقات في ذاك الوقت، لتؤكد أن رونالدو قد انتهى كروياً. وجميعنا يتذكر تصريح بيليه الحزين عندما قال في الرابع عشر من آذار / مارس من العام الماضي أثناء تقديمه كسفير لبطولة كأس الليبراتادوريس في ساو باولو: "إنه شيء مخجل، أعتقد أن رونالدو لن يعود أبداً إلى الحال الذي كان عليه من قبل، لقد زرته عندما كان يعاني من إصابة مشابهة في الركبة اليمنى عام 2000، إلا أنه تعافى منها ولعب كأس عالم ممتازة بعد ذلك، أما الآن فسيواجه صعوبة كبيرة في التغلب على مشكلاته البدنية، بالفعل تحسنت حالته بالعلاج، ولكن سن رونالدو لن يساعده. إنني أتمنى له استعادة لياقته بنسبة 100%، ولكني للأسف لا أظن ذلك".
تحدي المصاعب
وبالفعل فقد كانت إمكانيات المهاجم الكبير وقدرته تختلف عن السابق، والدليل على ذلك أنه استمر فترة طويلة بعد شفائه من الجراحة يعمل على تقوية عضلاته ويهيئ مفاصله لتحمل المجهود. أما وزنه فقد زاد بشكل كبير، الأمر الذي تطلب منه مجهوداً بدنياً وعضلياً كبيراً ليستعيد لياقته، وهذا ما جعل مسألة عودته معقدة ومركبة، وهو ما دفع فريق فلامنغو البرازيلي إلى التراجع عن الرغبة التي أبداها بالتعاقد معه، وهي الرغبة التي سارع الفريق البرازيلي العريق إلى تأكيدها فور انتهاء عقد رونالدو رسمياً مع ميلان.
وكان هذا التراجع بمثابة لطمة شديدة لمجهودات رونالدو الحثيثة للعودة إلى المستطيل الأخضر، وأثرت هذه الصدمة على نفسيته وأفقدته توازنه لفترة ليست بالقصيرة، دخل خلالها في عدد من المشاكل، ولكنه سرعان ما استعاد قوته الذاتية وتصميمه الداخلي على العودة بعد أن عرض عليه فريق كورينثيانز البرازيلي التعاقد معه لعام واحد قابل للتجديد، ورغم أن هذا الفريق ليس من الأندية البرازيلية الكبيرة وليس له شعبية ولا جماهيرية مثل تلك التي يمتلكها سانتوس أو ساوباولو على سبيل المثال، إلا أن عرض كورينثيانز منح رونالدو أهم شئ كان يحتاجه في تلك الفترة، ألا وهو الأمل في العودة للمستطيل الأخضر، والأمل في أن يستعيد بريقه من جديد، حتى لو كان ذلك من خلال فريق صاعد حديثاً ويناضل من أجل البقاء في دوري الدرجة الأولى البرازيلي.
صعوبة العودة
وفور توقيعه على عقد رسمي مع كورينثيانز في كانون أول / ديسمبر الماضي قال رونالدو للصحفيين: "لم أنته ولم أخرج من عالم كرة القدم، وسأثبت ذلك للجميع في الملعب".
وحاول رونالدو أن يستبق الأحداث ويثبت ذلك سريعاً من خلال خوضه مباراة بين أصدقائه وأصدقاء النجم الفرنسي الشهير زين الدين زيدان أقيمت في مدينة فاس المغربية أواخر العام الماضي، يومها بدا وزن رونالدو زائداً وظهرت عليه السمنة بشكل واضح، وسيطر عليه التعب والإجهاد بعد مرور عشرين دقيقة فقط من بداية المباراة، وهو ما جعل جميع المحللين يشككون في إمكانية عودته من جديد، وشعر الكثيرون أن توقيع المهاجم الفذ عقداً مع كورينثيانز هو مضيعة للوقت أو "حلاوة روح"، حتى أن أندريه سانسيز رئيس كورينثيانز قال لرونالدو قبل توقيع العقد: " لن أضحك عليك، فنحن نريدك بصدق ولكن ليس لدينا المال لندفعه لك، فكورينثيانز نادي صغير وصاعد للتو للدرجة الأولى بعد عام أمضاها بين صفوف أندية الدرجة الثانية".
وبدا رونالدو مرناً وأكثر تصميماً على توقيع العقد ورد على سانسيز قائلاً: "لا يهمني المال ولن أتحدث عنه حالياً، فقط أريد أن ألعب...أريد أن أعود".
واحترم الجميع تصميم النجم الكبير، خاصة بعد أن نجح في إنقاص وزنه ثمانية كيلو غرامات دفعة واحدة، وبعد أن أقبل على التدريبات بقوة وبحماس، وبعد أن طالب مدربه بألا يميزه عن بقية زملاءه بالفريق أو يعامله أمامهم كنجم.
تجاهل إعلامي
وعلى عكس المتوقع استعاد رونالدو تألقه بسرعة واستعاد خطورته على المرمى وبدأت أهدافه تنهمر داخل مرمى الخصوم، وكانت بداية هذه الأهداف، هدف التعادل الذي سجله لفريقه في بالميراس في الدقيقة الأخيرة من المباراة التي جرت ضمن المرحلة الثانية عشرة من الدوري البرازيلي (باوليستا).
ولم يهدأ النجم الكبير وأحرز هدفه الثاني في المباراة الثانية على التوالي والثالثة له مع كورينثيانز، وكان هذا الهدف في شباك فريق ساو كايتانو في المباراة التي جرت ضمن المرحلة الثالثة عشرة من الدوري، وغاب رونالدو عن التسجيل في مباراتين متتاليتين وإن ظهر واضحاً خلال هاتين المباراتين أن هداف المنتخب البرازيلي السابق بدأ يستعيد حيويته ومهارته وخطورته بسرعة لم يتوقعها أشد المتفائلين.
وعاد مهاجم كورينثيانز للتهديف بقوة بإحرازه هدفين في مرمى فريق بونتي بريتا في المباراة التي انتهت بالتعادل (2-2) ضمن المرحلة السادسة عشرة، ثم سجل هدفاً آخراً في مرمى إيتوانو في المباراة التي انتهت (3-0) لصالح كورينثيانز.
ثم أخذ التألق عنواناً آخر وأهمية أخرى بعد ذلك، ولم لا وهو تألق أمام الكبار وأمام أهم الأندية البرازيلية التي رفضته في السابق، فقد أحرز هدفاً في سوباولو في المباراة التي انتهت لصالح فريقه بهدفين دون رد، ثم هدفين رائعين في مرمى سانتوس في المباراة التي انتهت لصالح كورينثيانز (3-1)، وبعد أن كان فريق النجم البرازيلي يعاني أصبح على بعد خطوات قليلة من التتويج بلقب الدوري البرازيلي، بل إن رونالدو الذي لعب بضعة مبارايات فقط أصبح في المركز الخامس على لائحة هدافي الدوري البرازيلي.
وسطر رونالدو مجداً جديداً رغم أنه لم يتوج بأي لقب منذ عودته وحتى الآن، إذ يكفي أنه كسب الرهان ونجح في العودة للملاعب من جديد وحقق ما رآه الكثيرون أنه أمراً مستحيلاً بل وضرب من الخيال، وعاد البطل وأصبح السؤال " هل عودته هي مسك الختام لمسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات، أم أنها بداية لانطلاقة جديدة ولإنجاز جديد يضيفه الهداف الأسطوري إلى رصيده السابق؟".
التفكير في المونديال
المتابع لتصريحات رونالدو بعد إصابته يعرف جيداً ما يقصده من عودته الأخيرة إلى الملاعب، وماذا كان يريد هذا المحارب من صراعه واجتهاده لعودته لسابق مستواه، فهو يضع كأس العالم القادمة نصب عينيه، ويطمح للمشاركة فيها وقيادة هجوم راقصي السامبا، ويرى ذلك حلماً مشروعاً، والحقيقة ليس هو فقط الذي يرى ذلك ممكناً، فدونغا مدرب المنتخب البرازيلي صرح أنه يتمنى عودة رونالدو إلى مستواه السابق وإلى خطورته على المرمى ليضمه على الفور إلى المنتخب البرازيلي.
ولم لا، فهجوم البرازيل في أسوأ حالاته حالياً، فأدريانو يعيش أزمة نفسية صعب أن يتخطاها في الوقت الحالي، بل أن فريقه إنتر ميلان الإيطالي تخلى عنه بطريقه مخزيه، ولويس فابيانو مهاجم إشبيليه الإسباني بعيد تماماً عن مستواه وفشل في أن يلفت الأنظار إليه عندما قاد هجوم المنتخب البرازيلي في المباريات الأخيرة التي خاضها راقصو السامبا في تصفيات المونديال، ورغم أنه سجل هذا الموسم 16 هدفاً في المسابقات المختلفة مع إشبيليه، إضافة إلى تسجيله 15 هدفاً خلال 25 مباراة خاضها طوال مسيرته مع المنتخب البرازيلي فإنه لم يستطع أن يفرض شخصيته كقائد للهجوم البرازيلي، أما باتو فهو لازال صغير السن (19 عاماً)، وهو مشروع لنجم كبير ولكن الاعتماد عليه بمفرده ليقود هجوم البرازيل من الممكن أن يضر به خاصة أن الجماهير البرازيلية لن تتحمل في الفترة القادمة أي هفوة أو إخفاق.
وبالطبع يتبقى روبينيو مهاجم مانشستر سيتي الإنكليزي وعلى الرغم من أنه لم يتألق بالشكل الكافي مع فريقه في الموسم الحالي إلا أنه يستطيع أن يكوّن مع رونالدو ثنائي رائع في المونديال القادم يعيد إلى الأذهان ثنائي (بيبيتو – روماريو ) الذي قاد البرازيل للتتويج بلقب مونديال 1994 الذي أقيم في الولايات المتحدة.